في رحلة من كوبنهاغن إلى الدوحة: الإنسان في قلب التنمية
في رحلة من كوبنهاغن إلى الدوحة: الإنسان في قلب التنمية
بقلم/ محمد عمر
باحث حقوقي في منظمة عدالة لحقوق الإنسان
من أين جاءت الفكرة؟
في أوائل التسعينيات، كان العالم يخرج من الحرب الباردة، ويبحث عن طريق جديد للتنمية لا يقوم فقط على الأرقام والنمو الاقتصادي، بل على الإنسان نفسه
في تلك المرحلة، طرحت حكومة الدنمارك فكرة عقد قمة عالمية تركز على البعد الاجتماعي للتنمية، بمساندة من دول إسكندنافية أخرى مثل السويد والنرويج، المعروفة باهتمامها العميق بالعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان
رحبت الأمم المتحدة بالفكرة، وتبنّت الجمعية العامة عام 1993 القرار رقم 47/92 الذي دعا إلى عقد القمة. وفي عام 1995، استضافت العاصمة الدنماركية كوبنهاغن أول قمة عالمية للتنمية الاجتماعية بمشاركة أكثر من مئة رئيس دولة وحكومة، حيث صدر عنها إعلان كوبنهاغن للتنمية الاجتماعية وبرنامج عمل من عشر فصول يركّز على ثلاثة أهداف رئيسية
مكافحة الفقر
توفير العمل المنتج واللائق للجميع
تعزيز الاندماج الاجتماعي والعدالة
كانت تلك القمة لحظة أمل حقيقية في عالمٍ يضع الإنسان في قلب التنمية، لا على هامشها
من كوبنهاغن إلى الدوحة: بعد مرور ثلاثين عامًا
بعد مرور ثلاثين عامًا، تُعقد القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية في الدوحة عام 2025، بدعوة من الأمم المتحدة لتقييم ما تحقق من التزامات قمة كوبنهاغن، ولصياغة “عقد اجتماعي جديد” يربط التنمية بالكرامة الإنسانية والعدالة والمشاركة
واليوم، ونحن نستعد للمشاركة في هذه القمة، ندرك أن ما طُرح قبل ثلاثين عامًا ما زال سؤالًا مفتوحًا أمام عالمنا العربي: كيف يمكن تحقيق تنمية تضع الإنسان في المقدمة، لا في ذيل الاهتمامات؟
لماذا نشارك؟
نحن، في منظمة عدالة لحقوق الإنسان، نشارك في هذه القمة لأننا نؤمن أن الإنسان هو غاية التنمية ووسيلتها، وأن العدالة ليست منحة بل حق، وجودنا في القمة ليس حضورًا شكليًا، بل رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي مفادها أن التنمية لا يمكن أن تكون أرقامًا في التقارير بينما ملايين البشر يعيشون تحت خط الكرامة
نشارك لنقول إن الفقر ليس رقمًا في جدول حكومي، بل معاناة يومية لأسر تبحث عن الدواء والغذاء والسكن الكريم
نشارك لأننا نؤمن أن الحلول لا تُصنع من فوق، بل من الناس أنفسهم، عندما يكون لهم صوت مسموع ومكان في القرار
نشارك لأننا ندرك أن المشكلة ليست فقط في نقص الموارد، بل في غياب العدالة في توزيع هذه الموارد، وفي انكماش مساحة المشاركة الشعبية والمجتمع المدني
فبدون صوت المواطن، تصبح التنمية قرارات فوقية لا تمس جوهر الحياة اليومية للناس
ما الذي نريده من القمة؟
لسنا نبحث عن وعود جديدة، بل عن التزام حقيقي بما تم التعهد به منذ ثلاثة عقود، فالقضايا لم تتغير: الفقر ما زال قائمًا، والعدالة ما زالت غائبة، والكرامة ما زالت مؤجلة
نريد أن نعيد تعريف التنمية من جديد — لا كمشروعات خرسانية ضخمة، بل كسياسات تُعيد للناس كرامتهم
ونطالب في القمة بـ: توسيع مظلة الحماية الاجتماعية لتشمل الفئات الأكثر هشاشة، ودعم التعليم والصحة باعتبارهما الاستثمار الحقيقي في الإنسان، وتمكين المجتمع المدني ليكون شريكًا حقيقيًا في المراقبة والمساءلة، وإعادة توجيه الإنفاق العام نحو احتياجات المواطنين لا نحو المظاهر
نريد أن نؤكد أن التنمية لا تُقاس بالمنشآت، بل بالوجوه التي تبتسم بعدما كانت تتألم
نريد أن نؤكد أن التنمية لا تُقاس بالمنشآت، بل بالوجوه التي تبتسم بعدما كانت تتألم
الكرامة أولًا
القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية فرصة حقيقية لتذكير العالم بأن الكرامة الإنسانية هي أصل كل تنمية
قد تتغير الحكومات والأنظمة، لكن الحق في العيش بكرامة لا يسقط بالتقادم
نحن نشارك لأننا نؤمن أن المواطن يجب أن يكون في قلب السياسة، لا في هامشها
وحين تُبنى التنمية على العدالة والمساواة والرحمة، يمكن عندها أن نقول إن روح كوبنهاغن 1995 قد عادت للحياة من جديد في الدوحة 2025