حبس الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق خمس سنوات يثير جدلًا واسعًا
في تطور لافت أثار ردود فعل واسعة في الأوساط الحقوقية والأكاديمية، قضت محكمة جنح الشروق بالقاهرة الجديدة، السبت 4 أكتوبر 2025، بحبس الخبير الاقتصادي المصري الدكتور عبد الخالق فاروق لمدة خمس سنوات بتهمة «نشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير السلم العام».
ويأتي هذا الحكم على خلفية مجموعة من المقالات والأبحاث التي كتبها فاروق خلال السنوات الأخيرة، تناول فيها بالتحليل والنقد السياسات الاقتصادية المتبعة في مصر، ومن أبرزها مقالته الشهيرة بعنوان «هل مصر بلد فقير حقًا؟»، التي أثارت في حينها نقاشًا واسعًا حول توزيع الثروة وعدالة الإنفاق العام في البلاد.
خلفية القضية: من البحث العلمي إلى قاعة المحكمة
يُعد الدكتور عبد الخالق فاروق أحد أبرز الاقتصاديين المصريين المعروفين بطرحهم النقدي المستند إلى الأرقام والبيانات الرسمية، وله عشرات المؤلفات التي تناولت قضايا مثل العدالة الاجتماعية، والديون العامة، ومستقبل التنمية في العالم العربي. وبحسب لائحة الاتهام، فإن النيابة العامة نسبت إليه «نشر أخبار كاذبة عبر وسائل النشر المختلفة»، معتبرة أن مقالاته تتضمن «معلومات من شأنها الإضرار بالأمن الاقتصادي».

غير أن منظمات حقوقية محلية ودولية اعتبرت أن القضية ذات طابع سياسي بالدرجة الأولى، وأنها تستهدف إسكات الأصوات الأكاديمية المستقلة.
موقف منظمة عدالة لحقوق الإنسان:
الحكم انتكاسة لحرية البحث والتعبير: في بيان رسمي صدر عقب الحكم مباشرة، أعربت منظمة عدالة لحقوق الإنسان عن «إدانتها الشديدة» لهذا القرار القضائي، واعتبرته «اعتداءً صارخًا على حرية الرأي والبحث العلمي».
وجاء في البيان: «إن محاكمة الدكتور عبد الخالق فاروق ليست سوى حلقة جديدة في مسلسل تكميم الأفواه وتضييق المجال العام في مصر، حيث أصبح النقد السلمي للسياسات الاقتصادية جريمة يعاقب عليها بالسجن».
وأكدت المنظمة أن استمرار ملاحقة الأكاديميين والباحثين المستقلين يمثل خطرًا مباشرًا على الحق في المعرفة، ويقوض أي إمكانية لنقاش جاد حول مسارات العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية في البلاد.
كما طالبت المنظمة السلطات المصرية بإلغاء الحكم والإفراج الفوري عن الدكتور فاروق، ووقف جميع الإجراءات القضائية بحقه، مشددة على أن «المجتمعات التي تعاقب مفكريها تفقد قدرتها على التطور والإصلاح».
حرية الرأي بين القانون والواقع منذ عدة سنوات:
تشهد مصر تضييقًا متزايدًا على حرية التعبير والنشر، سواء عبر وسائل الإعلام التقليدية أو المنصات الرقمية.
وقد أصدرت السلطات المصرية خلال العقد الأخير سلسلة من القوانين التي تُجرّم «نشر الأخبار الكاذبة» أو «إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي»، وهو ما تستخدمه الجهات القضائية في ملاحقة الصحفيين والباحثين والنشطاء.
ويشير مراقبون إلى أن تطبيق هذه القوانين بشكل فضفاض جعل من النقد الاقتصادي أو السياسي جريمة محتملة، حتى عندما يكون مبنيًا على أبحاث علمية موثقة.
في هذا السياق، يرى خبراء القانون أن الحكم ضد فاروق يمثل تصعيدًا خطيرًا في استهداف الباحثين، ويبعث برسالة سلبية إلى الوسط الأكاديمي في الداخل والخارج.
ردود فعل داخلية ودولية
أثار الحكم صدمة بين المثقفين والباحثين في مصر والعالم العربي، حيث صدرت بيانات تضامن من عدد من الشخصيات الأكاديمية، بالإضافة إلى دعوات لإطلاق سراحه من مؤسسات فكرية دولية.
لماذا تُعد قضية فاروق رمزية؟
القضية تجاوزت حدود شخص الدكتور عبد الخالق فاروق لتصبح رمزًا لصراع أوسع بين حرية الفكر والسلطة التنفيذية، فكتاباته التي تطرح أسئلة حول هيكل الاقتصاد الوطني لم تكن مجرد نقد بل محاولة علمية لإعادة تعريف أولويات التنمية.
من هنا، فإن إدانته تعني من وجهة نظر كثيرين إدانةً للنقاش العلمي ذاته، وهو ما يخشى الباحثون أن يؤدي إلى تجميد أي مبادرة فكرية مستقلة داخل الجامعات ومراكز الدراسات المصرية.
ويرى عدد من المراقبين أن هذه الممارسات قد تؤثر سلبًا على صورة مصر الدولية، خصوصًا في ظل سعيها لجذب الاستثمارات الأجنبية وتوسيع علاقاتها الاقتصادية، فوجود مناخ أكاديمي حر يُعتبر عنصرًا أساسيًا في بناء الثقة والشفافية أمام المستثمرين والمؤسسات الدولية.
دعوات للإصلاح وإعادة النظر في ختام بيانها:
شددت منظمة عدالة لحقوق الإنسان على أن الحل لا يكمن في إسكات النقد بل في فتح حوار وطني شامل حول التحديات الاقتصادية الحقيقية، مؤكدة أن الحوار الصادق بين الدولة والخبراء هو السبيل الأمثل لتحقيق التنمية المستدامة. وقالت المنظمة: «إن حرية البحث العلمي ليست ترفًا، بل ضرورة لضمان اتخاذ قرارات اقتصادية رشيدة تستند إلى البيانات والتحليل العلمي، وليس إلى التوجيهات السياسية فقط».
ودعت المنظمة إلى مراجعة التشريعات المتعلقة بحرية التعبير والنشر بحيث تتماشى مع الدستور المصري والاتفاقيات الدولية التي التزمت بها الدولة، مشيرة إلى أن احترام حرية الفكر هو مقياس أساسي لمدى نضج أي نظام سياسي أو قانوني.
خاتمة: رسالة إلى المجتمع الدولي:
تؤكد هذه القضية مجددًا أن حرية الرأي في العالم العربي ما تزال تواجه تحديات كبيرة، وأن صونها يتطلب تضامنًا حقيقيًا بين المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية. فقضية الدكتور عبد الخالق فاروق ليست فقط قضية فردية، بل اختبارًا لمستقبل حرية التعبير والبحث العلمي في المنطقة بأسرها.
وفي ظل الدعوات المتزايدة من المجتمع الدولي لمراجعة سياسات تقييد الحريات، يبقى السؤال المطروح: هل ستستجيب السلطات المصرية لهذه النداءات وتعيد الاعتبار إلى أحد أبرز العقول الاقتصادية في البلاد، أم ستستمر في نهجها الذي يُجرّم الفكر النقدي؟ الجواب على هذا السؤال سيحدد — إلى حد كبير — شكل العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني في السنوات المقبلة.