Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

ثلاثون عامًا من البحث عن العدالة الاجتماعية

مؤتمر القمة العالمي الثاني للتنمية الإجتماعية

بقلم: محمود جابر المحامي
منظمة عدالة لحقوق الإنسان

بعد ثلاثين عامًا من قمة كوبنهاجن للتنمية الاجتماعية، تعود الأمم المتحدة لتجتمع في الدوحة هذه الأيام، من 4 إلى 6 نوفمبر 2025، في لحظة يبدو فيها العالم أكثر حاجة مما كان عليه يومها إلى العدالة والكرامة

قمة الدوحة ليست مجرد استذكارٍ لالتزامات قديمة، بل وقفة أمام واقع جديد تتآكل فيه الحقوق الاجتماعية، وتتسع فيه الهوة بين الشعارات والواقع، وبين الوعود والناس

إعلان كوبنهاجن

حين اجتمعت الدول عام 1995 في كوبنهاجن، بدا وكأن العالم قرر أخيرًا أن يجعل من التنمية مشروعًا إنسانيًا قبل أن تكون اقتصاديًا

تحددت ثلاثة أهداف بدت وقتها بديهية وبسيطة: القضاء على الفقر، ضمان العمل اللائق، وتحقيق الاندماج الاجتماعي
كان ذلك بمثابة “عهد أخلاقي” بين العالم وشعوبه، بأن العدالة ليست ترفًا، وأن الكرامة لا تُقاس بالناتج المحلي، بل بحصول الناس على الحياة الكريمة

وبعد مرور ثلاثين عامًا … العالم على مفترق جديد

اليوم، ونحن نشارك كمنظمة عدالة لحقوق الإنسان في قمة الدوحة نرى أن المراقب لا يحتاج إلى تقارير مطوّلة ليرى أن كثيرًا من هذا العهد قد تآكل

فهناك تهديد هو فجوة الثروة: عندما يتسع البون بين الملياردير والجائع

رغم تضاعف حجم الاقتصاد العالمي منذ التسعينيات، فإن المكاسب ذهبت للأعلى
فهذا تقرير “أوكسفام 2024” يكشف أن أغنى 1% من البشر يملكون ثروة تفوق ما يملكه 60% من سكان الكوكب مجتمعين
هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات؛ بل وجوه وأسماء: مئات الملايين يعيشون على أقل من دولارين يومياً، وآخرون يعملون في وظائف لا تضمن لهم أبسط مقومات الكرامة. ظاهرة “فقر العاملين” أصبحت عنواناً لعصرٍ بات فيه العمل لا يعني النجاة من الفقر، بل أحيانًا طريقًا إليه

تهديد البطالة والتهميش

نسب البطالة لم ترتفع فقط؛ بل تغيّر معناها

فالعاطلون عن العمل ليسوا وحدهم ضحايا النظام الاقتصادي الجديد، بل حتى من يعملون في وظائف غير مستقرة أو منخفضة الدخل، بلا أمان ولا مستقبل
يُقدَّر أن عشرات الملايين من الشباب يعيشون ما يُعرف بـ”البطالة المقنّعة”، أي أنهم يعملون دون أن يتقدموا خطوة في حياتهم
وفي العالم العربي، يتحوّل هذا التهميش إلى قنبلة اجتماعية تهدد الاستقرار وتغذي الإحباط والهجرة

الديون كعائق للتنمية

أما الديون، فقد أصبحت الوجه المالي الجديد لانتهاك الحقوق
كثير من الدول النامية تُنفق على خدمة الدين أكثر مما تُنفق على التعليم والصحة مجتمعين
وفي بعض الحالات، تلتهم فوائد الديون وحدها ما يزيد على نصف الموازنات العامة، لتتحول خدمة الدين إلى عبء يومي يعيق أي مشروع للتنمية المستدامة
فبينما تتراكم الأرباح في المراكز المالية الكبرى، تُستنزف طاقات الشعوب لتسديد فواتير لم تصنعها، ويُقتل الحق في التنمية بسلاح صامت اسمه “الفائدة
وتتضاعف الفجوة بين الدائنين والمدينين، في نظامٍ لا يُقاس فيه الأداء الاقتصادي بما يُنجز، بل بما يُسدَّد

الصراع والمناخ .. وجهان للفقر الجديد

الخرائط تتغير لا بفعل الاستثمار، بل بفعل الحرب والكوارث المناخية
الصراعات المسلحة تحوّل مدنًا كاملة إلى أطلال، وتعيد ملايين البشر إلى خط الفقر المدقع

فبينما تتحدث الوفود عن التنمية في الدوحة، يعيش العالم مشاهد دامية تفضح هشاشة النظام الدولي وعجزه عن تحقيق أهداف التنمية

في غزة، تُقصف المستشفيات وتُحاصر المدن ويُدفن الأطفال تحت الركام. عشرات الآلاف من الأرواح أُزهقت، وملايين فقدوا بيوتهم، بينما يكتفي العالم بالبيانات والبيانات فقط. الحديث عن التنمية يفقد معناه حين يُحاصر الحق في الحياة ذاته

وفي السودان، تتكاثر المآسي على وقع حربٍ لا تترك سوى الموت والجوع والنزوح

أكثر من 10 ملايين نازح بلا مأوى، ومدنٌ كانت تنبض بالحياة تحولت إلى أطلال
تتوقف المدارس والمستشفيات، وتُهجر الحقول، ويغيب صوت الدولة إلا في لغة السلاح

من غزة إلى الخرطوم والفاشر، من الركام إلى الخيام، يتبدى السؤال الجوهري: كيف يمكن للعالم أن يتحدث عن الحق في التنمية بينما تُنتهك أبسط حقوق الوجود؟
هنا، يصبح الكلام عن العدالة بلا فعلٍ نوعًا من التواطؤ، بل من النفاق الدولي الممنهج

وإلى جانب ذلك، يدفع التغير المناخي الملايين إلى النزوح القسري، ليولد نوع جديد من الفقر: فقر المناخ، بلا حدود ولا حماية قانونية
أما تغيّر المناخ، فيجعل الزراعة والصيد والرعي – وهي أساس حياة الفقراء – أكثر هشاشة من أي وقت مضى
المعادلة صارت واضحة: كلما ارتفعت حرارة الأرض، بردت العدالة أكثر

قمة الدوحة 2025 … اختبار أخلاقي جديد

قمة الدوحة ليست ترفًا دبلوماسيًا، بل اختبار أخلاقي جديد للنظام الدولي
فهي مطالبة بأن تذهب أبعد من البيانات والتصفيق، نحو قرارات تضع الحق في التنمية في قلب السياسات لا على هامشها

من المنتظر أن تُطرح قضايا حيوية مثل تأثير الذكاء الاصطناعي على فرص العمل، ومستقبل العدالة الاجتماعية في عصر الرقمنة، ومسؤولية الشركات الكبرى عن توزيع أكثر إنصافًا لثمار النمو

لكنّ السؤال الحقيقي هو: هل تملك الأمم المتحدة والدول الكبرى الإرادة لتغيير المعادلة، أم سنكتفي بإعلان جديد يُضاف إلى رفّ النوايا الحسنة؟

نحو إعلان الدوحة … وعد جديد أم فرصة ضائعة؟

إذا أرادت القمة أن تصنع فرقًا حقيقيًا، فعليها أن تخرج بإعلان لا يكتفي بالتحليل، بل يُلزم الدول بمساءلة واضحة عن التزاماتها تجاه الناس: في العمل، والتعليم، والصحة
أن تربط مكافحة الفقر بالحق في الضمان الاجتماعي، وأن تعيد فتح ملف الديون من زاوية العدالة لا منطق الأرقام

يمكن أن يبدأ ذلك من فكرة بسيطة: إسقاط جزء من الديون مقابل الاستثمار في الناس، بحيث تُوجّه الموارد مباشرة إلى الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي
كما يجب فرض ضريبة عالمية على الثروات الكبرى لتمويل هذه البرامج، وربط المساعدات بمساءلة شفافة تحمي المجتمع المدني، وتُلزم شركات التكنولوجيا بالمساهمة في تدريب العمال الذين يزيحهم الذكاء الاصطناعي

الخاتمة

العالم لا يحتاج خططًا جديدة، بل شجاعة في التنفيذ
فالناس لا يعيشون على الوعود، بل على ما يُترجم منها في الواقع: في فرصة عمل، أو تعليم كريم، أو نظام صحي يحترم إنسانيتهم

من كوبنهاغن إلى الدوحة، لا تزال التنمية رحلة طويلة بين الأمل والخذلان
لذلك نحن ندعو أن تكون قمة الدوحة تجديدًا للعهد، وانقاذًا للعالم ورؤية جديدة لتحقيق حلم العدالة والتنمية الاجتماعية

قطر الدوحة 6 نوفمبر2025

What's your reaction?
0Smile0Angry0LOL0Sad0Love

Add Comment

عن "عدالة"

منظمة حقوقية مستقلة غير حكومية لا تهدف إلي الربح ، تهتم بالشأن المصري وهي في هذا تنطلق من الواجب المُلقى على عاتقها في وضع “حالة حقوق الإنسان في مصر” أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، “سواء الرسمي منها أو الشعبي”، بشكلٍ جلي، وفق المعاهدات والمواثيق الدولية المعنية بهذا الأمر، لوقف الانتهاكات، والعمل على منع مجرمي الانتهاكات من الإفلات من العقاب ، حتى ينعم الإنسان المصري بحياةٍ كريمةٍ، تحافظ على كرامته وحريته وتعمل في سبيل تحقيق ذلك وفق الآليات القانونية المحددة بهذا الشأن.

info@jhrngo.org

 

شعار مؤسسة عدالة الرسمي لحقوق الإنسان يحتوي على ميزان العدالة ونص باللغتين العربية والإنجليزية
منظمة عدالة لحقوق الإنسان © 2025. جميع الحقوق محفوظة